تنمية الذكاء الانفعالي للأبناء

تنمية الذكاء الانفعالي للأبناء
تاريخ النشر : 2024-06-25


تنمية الذكاء الانفعالي للأبناء


يدرك الآباء تماما أهمية تزويد أبنائهم بمهارات معرفية تساعدهم على النجاح في مسيرتهم التعلمية وفي حياتهم بشكل عام ، ولكن مالا يدركه بعضهم أن الأبناء يحتاجون أيضا إلى التزود بمهارات تساعدهم على التحكم في انفعالاتهم، لا بد من مساعدتهم فهم الانفعالات وتنظيمها وحسن استخدامها في المواقف فمن شأن هذه المهارات أن تنمي ثقتهم، وتحفظ صحتهم ، وترفع أداء هم الدراسي، وتساعدهم على تكوين صداقات وعلاقات اجتماعية ناجحة. يحتاج أبناؤنا إلى إدارة القلق والتوتر للصمود في الأعمال والمشروعات الكبيرة، ويحتاجون إلى إدارة الغضب للتعامل مع مواقف الخلاف الزوجية، ويحتاجون إلى إدارة الخوف للتقدم إلى الوظائف وإنشاء المبادرات، وإدارة الحزن للنهوض من الأزمات.

يخرج الأطفال إلى عالم جديد مبهر بالنسبة لهم يريدون استكشافه ، فيتراكضون وكلهم غبطة ، يبكون إذا صادفهم عائق يحول دون استكشافاهم ، يلقون ألعابهم ليعرفوا أين تقع وماذا تُحدث. ويصحب ذلك ثورات انفعالية يحار المربون في التصرف السليم الذي ينبغي أن يتبعوه معها، ويرى الخبراء أن هذه المواقف تعد الأفضل في تعليم الأبناء كيف يديرون انفعالاتهم القوية الجامحة ويهدؤون أنفسهم ولا شك بأن الأجواء الأسرية التي تسودها مشاعر الأمن. هي أفضل مكان لتعلم هذه الدروس الحياتية. وكما قال جون جوتمان صاحب كتاب كيف تنشيء طفلا يتمتع بذكاء انفعالي: "عندما نساعد الأبناء على فهم مشاعرهم الثائرة كالغضب والإحباط والقهر فإننا ننمي لديهم الذكاء الانفعالي".

ولعل المهارة الأساسية التي تقوم عليها جميع المهارات الأخرى في تنمية الذكاء الانفعالي هي مهارة النظر إلى الأمور من منظور الآخر، لا بد أن نتعلم ويتعلم أبناؤنا أن نضع منظار الآخرين؛ خذ مثلا هذا الموقف طفلة تحضر شرشفا ومخدات وتغير أماكن الطاولات في الصالة تأتي الأم فترى في هذا إفسادا للنظام وإشاعة للفوضى، ولو وضعت نفسها في مكان الصغيرة لرأت شيئا مختلفا ، أرادت الصغيرة أن تهيئ مكانا شبيها ببيت تستقبل فيه والديها وقد وضعت بعض الحلوى في الصحن للضيافة ولم تتوقع أن تغضب أمها وتنهرها كم من المرات أراد الآخرون شيئا ورأينا خلافه؟ وقد نعود فنعتذر، وقد نتمادى ونتهمهم أنهم السبب لأنهم لم يكونوا واضحين.

 

ومن المهارات المهمة التي تساعدنا في تنمية الذكاء الانفعالي لأبنائنا ما يلي:

·       الإنصات المتعاطف: يعد من أهم الأسباب في تنمية الذكاء الانفعالي فحين تحكي الابنة موقفا تأثرت به في المدرسة وتقول بحرقة " المعلمة لا تهتم بي" يجدر بنا أن نقول : من المشاعر المؤلمة أن لا تهتم المعلمة. بدلا من أن نقول على عجل : لا يهم ركزي على دروسك ولاحاجة بك لاهتمامها. هنا ستشعر الابنة أن لا فائدة من الحديث معنا لأننا لا نفهم ما تقول.

·       مساعدة الطفل على تسمية مشاعره: يصعب على الأبناء الصغار وصف ما يشعرون به وتسميته ، ومن المهم مساعدتهم على تسمية المشاعر، فحين يستاء لأن أخاه سبقه إلى حضن أمه فيثور لا يعرف طبيعة ما يشعر به، يمكن أن نعلم الطفل من خلال بعض الأنشطة ، مثل أن لعبة تحدرد الانفعالات ، نطرح سؤالا على الطفل فيختار من الوجوه الانفعالية ما يناسبه ، عندما يسبقني أخي إلى حضن أمي أشعر بـــ ... يختار الطفل صورة ويمكن أن تكون أكثر من صورة لوجود مشاعر مركبة في موقف الغيرة يختار الحزن والغضب مثلا.

·       تقدير الانفعالات وعدم إنكارها: عندما يخاف الابن في أول أيام المدرسة يخطئ كثير من الآباء عندما يقولون لا يوجد ما يخيف في محاولة منه لخفض مخاوف الطفل، إلا أن إنكار الانفعال لا يؤدي إلى خفضه بل لا بد من الاعتراف به وفهمه، فمن الضروري أن نؤكد له أن شعوره هذا ليس غريبا فالإنسان يستوحش في الأماكن التي لا يعرفها، ونستخدم أمثلة لمواقف من حياتنا خفنا فيها ثم كان الموقف سهلا. وعندما يثور لأنه لم يتمكن من تركيب لعبته من الضروري أن نعترف أن الإنسان يصاب بالقهر عندما يصعب عليه أمر يريد تحقيقه ولكن الصراخ أو الحركات العنيفة لا يزيد إلا سوءا.

·       تحويل نوبات الانفعال إلى فرص تعليمية: عندما يخاف الابن ويبكي لأن لديه موعد طبيب ، ينبغي التعامل مع هذا الموقف بشرح هادئ لما يقوم به الطبيب ، وما يتوقع منه خلال الزيارة ، ويمكن أن نحكي موقفا مماثلا من حياتنا وأن ابن عمي مثلا كان له دور في مساعدتي على تقبل الأمر.

·       الاستفادة من مواقف الخلافات لتعليم الأبناء مهارة حل المشكلات: عندما يضرب الابن أخاه لأنه أخذ سيارته، نقول الله " أنت غاضب لأنه أخذ سيارتك ولكن ليس من المقبول أن تضربه، ما الذي يمكنك أن تفعله لو أخذ سيارتك مرة أخرى؟.

·       القدوة : تصرفاتنا تجاه نوبات الطفل الانفعالية يجب أن لا تتضمن التلفظ بألفاظ نابية أو إهانة، بل تكون تعبيرا عن شعورنا " تصرفك هذا يثير غضبي" بدلا من قول أنت تنفعني للجنون ، أنت كذا وكذا، لا بد أن يعلم الابن أن المشكلة في تصرفه وليس في شخصه.

 

وأن يرى بالنموذج أن الانفعالات مهما طغت فهناك أساليب لتوجيهها لخدمة الموقف بدلا من إفساده.

وخلاصة القول إن الانفعالات كالمادة الخام توجد في صورتها الأولية وتحتاج إلى تهذيب، أودعها الله لكي تقود الإنسان وتدفعه إلى التعلم و الإنتاج، فإن لقيت تفهما ورعاية أزهرت همة ومثابرة ونجاحا، وأن قوبلت بالقمع والإخماد فقدت النفس همتها وتسرب إليها العجز، لا بد من أن نوفر لأبنائنا بيئة تساعدهم على الاستفادة من نعمة الانفعالات وتوجيهها لما فيه مصلحة الإنسان وأسرته ومجتمعه.


د. سحر بنت عبد اللطيف كردي

مستشارة الأسرة والطفل   

 



 تحمل المرفقات
نشر :

إضافة تعليق جديد

 تم إضافة التعليق بنجاح   تحديث
خطأ: برجاء إعادة المحاولة